تجليات كورونا (1)




ما يحدث في مصر من قبل رجال الأعمال ومطالباتهم بعودة العمال إلى أعمالهم و دون النظر إلى النتائج المترتبة على ذلك ( ساويرس وصبور) و تعبيرهم عن رفضهم للتبرع ( غبور) وفي المقابل ردود الفعل المختلفة من الموظفين والعمال والاعلاميين ، ثم كسر الحظر و عدم الالتزام به من جهة الافراد البسطاء وأيضا افتعال التشديد على الالتزام به من قبل الاعلام دون النظر إلى الظروف المعيشية للأفراد و عدم الشفافية في الاعلان عن أعداد المصابين بالعدوى فضلا عن عدم توضيح أن الاصابات المؤكدة ظهرت لمن تم الكشف عليهم وهم نسبة ضئيلة جدا من الشعب المصري ... كل هذه الظواهر و الممارسات لا يمكن أن نختزل أسبابها في نظام سياسي محدد و لا يمكن أن نعزوها إلى الشعب أو فئة محددة منه كرجال الأعمال أو العمال، لكنها تؤكد اجمالا على أن المصريين لا يعيشون في " مجتمع " والمقصود ب " مجتمع " هنا مجموعة من البشر يعيشون في بقعة جغرافية واحدة ويملكون تاريخا مشتركا و تجمعهم أهداف مشتركة . الحقيقة أن المصريين لا تجمعهم أهداف مشتركة وفي الأغلب لا تجمعهم ثقافة مشتركة .. قد تجمع الثقافة المشتركة مجموعات صغيرة منهم ( subcultures) لكن تلك الجغرافيا التي تمتد من السودان جنوبا إلى البحر المتوسط شمالا و من ليبيا غربا إلى البحر الأحمر و حدود فلسطين شرقا لا تضم مجتمعا.
السبب الأهم هو أن المجتمعات عادة تحكمها منظومة قيم رئيسية واحدة لكن ما يعبر عنه مجتمع رجال الأعمال من جانبه يشير إلى تعاطي أفراده مع " البلاد " بمنطق "عصابي" فضلا عن معرفة ضئيلة بقواعد اللعبة الاقتصادية في العالم ، ولتبسيط الأمر فإن الأموال التي يدفعها رجل الأعمال سوف تعود إليه في صور شتى بينها خصمها من الوعاء الضريبي ولكنها أيضا سوف تبقي على حياة اقتصادية في المجتمع تمكنه من البقاء كسوق مستهلك لبضائعم.
وفي المقابل يتخذ النظام السياسي والحكومة عبر الاعلام التابع لهم موقفا أشبه ببموقف الفتوة الذي يبعث برجاله لتأديب الخارجين على طاعته و هو أداء " عصابي " بامتياز ينفي تماما استيعابهم لكيفية ادارة الدولة و خاصة في ظل أزمة كأزمة كورونا وبدلا من تقديم حزمة محفزات لرجل الأعمال لتشجيعه علي المساهمة ( اذا كانت الدولة بحاجة اليها فعلا) فانهم يطالبونه بالتبرع مع الخضوع وإلا سلطوا كلابهم و وأخرجوا الملفات من الأدراج .
لعل نقطة ( الملفات ) القديمة تستدعي لدي البعض ما حدث لرجل الأعمال حسام أبو الفتوح حين رفض طلبا لجمال مبارك بينما كان والده هو الحاكم، سجن الرجل و تم فضحه ومن ثم أفلس، وظل لفترة عبرة لما بقي من رجال أعمال حتي تم احلال رجال جمال محل رجال أعمال أبيه. مرة أخرى نجد أنفسنا أمام نظام يلقي بالمسئوولية ( التي هي صلب وظيفته) على رجال أعمال لا يميزون بين ما هو قانوني و غير قانوني لأنهم يعلمون أن القانون في البلاد مطاط و المركز القانوني الحقيقي هو رضا الحاكم ز هذا ما يلخص ببساطة منظومة قيمية لا تنتمي لمجتمع - أي مجتمع طبيعي - بصلة ،لكنها تنتمي بالضرورة لسلوك المجموعات المتصارعة داخل منظومة قيمية بالية.
تلك الملفات غالبا لا تحوى تلفيقات ولكنها جرائم حقيقية شاركت فيها حكومات متعاقبة و دفعت بهؤلاء إلى الاعتقاد بأنهم فوق القانون و إلى الإعتقاد بأن ما يملكوه فعليا هو أموالهم لكن العقيدة الأهم والتي تعنينا في هذا المقام هو تصورهم عن الانسان المصري وإلى أي حد هو رخيص ( شوية يموتوا لكن البلد تعيش ) . هذا التصريح الغريب الذي يؤكد أن صاحبه لا يعرف قيمة الروح الانسانية و لا يعتبر المصريين بشر ولا يفهم أيضا معنى كلمة (بلد ) ، فببساطة البلد هي هؤلاء الذين يتحدث ببساطة عن تسليمهم للموت . هنا تكمن أزمة يمكن أن ندعوها عدم التحضر ، فمقاس التحضر هو أن تضع نفسك في موضع الآخر. يمكن أيضا أن ندعوها بالغرور والغطرسة وافتعال التوحد مع البلد ليكون ماله هو نفسه حياة الدولة . نحن أمام مجموعة منرجال الاعمال يعتقدون أن البشر خلقوا من أجل الاقتصاد ولم يخلق الاقتصاد لأجل البشر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Three dreams

في "آخرة " كلينت ايستوود .. حياة تدور كلها حول الموت ليست حياة